كان من الصعب وصف الحادث الغريب.. لكن كلمة مأساة كانت كافية لتلخيص القصة.. والا فكيف يطاوع قلب أي أب أن يقتل أطفاله؟ كيف يتحمل ان يلقي بصغيراته اللائي لما يتجاوز عمر أكبرهن ثمانية سنوات الى المياه، ثم يقف ساكنا وهو يشاهدهن يصارعن الموت غرقا؟!!
بعد ان استمع ضابط في مركز الجعيفر الى شهادة المرأة التي تصادف وجودها في مكان الحادث والى أقوال الشاب الشجاع الذي تمكن من انقاذ احدى الصغيرات، كان عليه ان يبدأ التحقيق مع الأب المتهم بقتل أطفاله!. وقف الرجل بهدوء غريب أمام الضابط ليلقي بأكثر من مفاجأة.. ليعترف ببساطة بجريمته البشعة.. ويبررها بأغرب سبب: ألا وهو الشرف!
- سأله الضابط: ماذا حدث؟
- قال الأب: كان أحد عمال المخبز الذي امتلكه قد اعتدى على طفلتي الصغيرة، ومنذ أسبوع فوجئت بزوجتي تخبرني بأن نفس العامل اعتدى على أختها الكبيرة أيضا.. طار عقلي وقررت أن أتخلص من البنات الثلاث واستريح! وقررت أن أبدأ بالاثنتين الصغيرتين أما الكبيرة فقد خططت لها تخطيطا آخر.. وصباح اليوم أخذت بناتي وخرجت معهن دون أن تعلم أمهن بذلك.. وكنت قد قررت ان أغرقهن في مياه دجلة.. وأخذتهن حيث تناولنا طعام الغذاء في منزل أختي، وبعد ذلك اصطحبتهن الى شاطئ دجلة بالقرب من خضر الياس، وفي منطقة معزولة من الناس دفعتهن الى مياه النهر.. بعدها تجمع بعض المارة والسياح على اثر الصياح.. فقلت لهم انني ألقيت بهن الى النهر.. وأثناء ذلك قفز شاب وأنقذ واحدة ولم يستطع انقاذ الأخرى!
- الضابط: منذ متى عقدت العزم على التخلص من بناتك؟
- الأب: منذ أسبوع عندما أخبرتني زوجتي بالاعتداء على طفلتي الثانية، فقررت ان أغرق الصغيرات في النهر، أما الكبيرة فقد فكرت في ان أقتلها بمفردها لأنها كبيرة ويمكن ان تعمل ضجة في اثناء ذلك.
الضابط: هل اشترك أحد معك في القاء الصغيرات؟
- الأب: كلا.. كنت بمفردي.
- الضابط: ألم تحاول الصغيرات الهرب منك وأنت تحاول القاءهن في النهر؟
- الأب: لم يستطعن لأنني دفعتهن الى النهر فجأة ومرة واحدة!
- الضابط: ما الدافع وراء ارتكابك هذه الجريمة؟
- الأب: الشرف!
- الضابط: كيف؟
- الأب: بعد ان علمت ان العامل اعتدى على البنت الثانية، صممت ان أتخلص من البنات كلهن.. وذلك رغما عني.. أنا اعترف بأنني قتلت ابنتي.. لكن دافعي هو العرض والشرف الذي هو فوق كل شيء!
كلام غريب واعتراف مهول أغرب#! كيف يجرؤ الأب على قتل أطفاله.. ألم يهتز قلبه وهو يشاهدهن يغرقن.. ألم يتحرك واكتفى بالصراخ والعياط.. بناتي.. بناتي!
كان اعترافه الابتدائي كافيا بعدها صدقت أقواله قضائيا وأحيل الى محكمة الجنايات موقوفا.. وفي موعد محاكمته فجر محاميه مفاجأة كبيرة في المحكمة.. حيث طالب ببراءة الأب.. لأنه قطعا مجنون!! قال المحامي في دفاعه.. ان لكل جريمة ركنين ركن مادي وركن معنوي.. والركن المعنوي يضم العناصر النفسية للجريمة.. التي هي ليست كيانا ماديا خالصا قوامه الفعل و’آثاره.. وبالنسبة للجنون او عاهة العقل التي تعتبر مانعا من موانع المسؤولية.. فهناك الجنون الوقتي الذي يعاصر ارتكاب الفعل وهذا ما حدث للأب عندما علم بالاعتداء الجنسي على بناته من قبل عامل الفرن.. ففد عقله وأصيب باحدى حالات الاضطراب الذهني.. وأطلب من عدالة المحكمة احالته الى مستشفى الأمراض العقلية لتقدير ذلك..
فماذا فعلت المحكمة؟
أحالت المحكمة الأب المتهم الى مستشفى الأمراض العقلية في الشماعية ليحدد الأطباء مدى سلامة قواه العقلية.. وكانت المفاجأة.. تقرير المستشفى يؤكد ان المتهم مجنون.. لكن القاضي لم يقتنع بالتقرير وارسل يطلب استدعاء الطبيب المختص الذي كتب التقرير بعد ان فحص الأب لمناقشته حول تقرير، وعندما حضر الطبيب المختص أمام القاضي.. ذكر في المحكمة ان الأب أصيب بحالة من حالات الجنون أثناء سماعه فقدان شرفه.. وهذه الحالة المرضية تسمى الاضطراب الذهني الذي يؤدي الى فقدان الشعور بالاختيار والتحسب، بعدها أرسل الأب الى مستشفى الشماعية ليقضي بقية عمره هناك..