بكل ادب معركه الخنازير
عزت القمحاوي من جريده اخبار اليوم
أظن أن من يأكلون الخنزير من المصريين علي استعداد للتنازل عن هذه الوجبة، لكننا في قضايا أخري لا نستطيع أن نغلق أبواب الريح
للإيطالي أنطونيو تابوكي قصة يكفيه فخراً أنه كتب عنوانها الجميل: "هل يمكن لرفيف أجنحة فراشة في نيويورك أن يثير زوبعة في طوكيو؟".
السؤال الذي سأله تابوكي من نحو ثلاثين سنة جاءت إجابته مؤخراً، فبمجرد أن عطس خنزير في استراليا اهتزت مصر. ومصر لم تعد تهتز طرباً، بل قلقاً، و خوفاً مما لا يخيف، عادة، لأنها تركت الخوف مما يخيف.
ما علاقة المعالجة المصرية لمحنة الخنازير، بنا في أخبار الأدب؟
الأمر يعنينا من عدة وجوه، أهمها أن المبادرة بذبح الخنازير (من باب الاحتياط) تكشف، أول ما تكشف، افتقاد ثقافة الإتقان. ليست هناك جهة واحدة تنسق الإجراءات وتحيط بحدود خطورة الموضوع؛ فهناك مبادرات من محافظين ووزراء ومديري إدارات بوزارات، وكلها ضد الخنزير، مع أن العدوي قد تأتي من البشر، ولابد من الاستعداد لفحص القادمين وتوفير الأمصال اللازمة لمقاومة المرض لدي البشر.
الاتهام لم يوجه إلا لخنازير مصر، وحتي مع حصر الأزمة في مصدرها الداخلي فإن التنسيق لم يحدث. وقد بدا أن كل العالقين في الأزمة من الوزراء والخفراء غير واثق في قدرات وزارته ، فكان إغلاق الباب الذي يأتي منه الريح أسهل الطرق. أسهل بالنسبة إليهم طبعاً، لكنه ليس سهلاً علي حياتنا ومستقبلنا، فنحن نستطيع أن نستغني عن الفراخ بعد تدمير الثروة الداجنة تحوطاً من الانفلوانزا التي لا تريد أن تنتهي، علي الرغم من أن العالم حولنا واصل تربية الفراخ، وواصل الحذر من الإنفلوانزا.
وأظن أن من يأكلون الخنزير من المصريين علي استعداد للتنازل عن هذه الوجبة، لكننا في قضايا أخري لا نستطيع أن نغلق أبواب الريح، فلا يمكن أن نغلق المجلات لأن حلمي سالم كتب قصيدة فترصدها بعض المتربحين من الدين تخصصوا لمطاردة التفكير والإبداع، ولا يمكن أن ندير ظهرنا لفلسطين لاكتشاف خلية لحزب الله، أو تحت تأثير تطاول بعض أطراف حماس علي الدور المصري، ولا نستطيع أن نغلق المدارس لأنها تخرج لنا أنصاف متعلمين، أنصاف جهلة، أنصاف إرهابيين يحرمون علي الناس عيشهم وعلي وعلي الفنانين فنهم.
الخطر الثقافي الثاني الذي كشفت عنه عطسة الخنزير الاسترالي هو هذا التشفي الواضح في الحيوان المسكين من قبل بعض أعضاء مجلس الشعب، وجلهم من الحزب الوطني الذي يضع ، يا ولداه، البرامج الكثيرة ويعقد المؤتمرات ويصرف الفلوس ويريق الكثير من الكلام حول قضية "المواطنة".
كلام عابر في مناسبات عابرة، لا سند له، ولا أدوات سياسية لتحقيقه.
حتي لو كان ما يردده الكثير من أقباط مصر حول المبالغة الطائفية في القضاء علي الخنازير غير صحيح أو مبالغا فيه؛ فقد كان من الواجب أن يتحدث أحد باسم الحكومة ليقول لماذا كانت مذبحة الخنازير ضرورية، وأن يتحدث أحد باسم الحزب الوطني دفاعاً عن شعار المواطنة ونفياً لشبهة التحيز الطائفي عند بعض أعضائه.
لقد أثبت وباء الانفلونزا أن العالم متشابك أكثر مما نتصور، ومنفصل أيضاً بطريقة مذهلة.
عطسة الاسترالي بلغت صداها في كل الدنيا، لكنهم في استراليا والنصف المتقدم من العالم يتحركون بجدية فيها الكفاءة والحذر والثبات، أما في أم الدنيا مصر، فالذعر هو سيد الموقف.
ورغم أن القمع لم يعد بحاجة إلي ذريعة، فإن الحرب ضد الخنازير يجب أن تحترم، وألا يعلو صوت علي صوت المعركة.