أيام فى الترام

كان الترام يشبه علبة السردين فى تلك الساعة المحورية من ساعات الزحام المعهودة

كنت كمن يتنفس من فم الخياط
كان التكدس البشرى يتزايد ويتصاعد كتصاعد لحن النحلة لموزارت أو عم باخ ...مش فاكر
لكن هذه الموجات البشرية المتدافعة ناحية صخرة صدرى تتجاثم وتعلوا فتمنع ضلوعه من الحركة الأفقية أو حتى اللولبية
وكانت نسمات العرق المصرى المعروف تملأ أنفى كما ملأه دخان غازات القنابل المسيلة للدموع فى مظاهرات
مجموعة الثمانية والتصدى للعولمة والأحتباس الحرارى
كان كل شئ ينذر بحدوث الكارثة
رائحة العرق
قلة التنفس
الدوار الذى بدأ يصيبنى

والقئ الذى أوشك على أن يغلبنى
حين لمحت بطرف عينى ذلك المكان الخاوى من بعيد
أخذت أغمض عينى وأفتحها مرات عديدة
هل أنا جننت وبدأت أهلوس
أم ان كل هؤلاء البشر مجانين ليتركوا هذا المكان خاليا فى وسط كل هذا الزحام
أخذت أدرس الموقف
انا احتاج لحوالى ربع ساعة لكى أصل لهذا المكان
ناهيك عن الحشر بين البشر والحركات اللولبة والبهلوانية من المرور الحذر لتجنب الأهانات والألفاظ البذيئة من كل عجوز حيزبوون فارقت الثمانين منذ سنين وتخرج من قبرها لتهتف فى وجهى بفمها الخاوى من الأسنان أننى احاول التحرحش بها
لكن الأمر كان يستحق التضحية
انه الترام
وانها الثانية ظهرا
وماذا يضيرنى ان اعانى ربع ساعة ان كنت سأهنأ اربعتاشر ساعة حتى أصل للنهاية السعيدة...محطة النصر
قد تكون مخاطرة
لكن مافاز باللذات الا كل مغامر
فإن انا عشت عشت مناضلا
وان انا مت مت مبهدلا
أخذت اسبح واسبح فى بحور من الشعوب المطحونة
حتى وصلت اليه
انه بالفعل خاوى
تماما
لايوجد احد
أخذت امد يدى ناحية المقعد لعل نقص الأكسجين يكون اصابنى بالعمى فأفاجأ بأنى جالس على حد
لكن اشارات الجهاز الحسى الطرفى اعلنت ان النتيجه سلبيه والمقعد خاوى
لم اتمالك نفسى من الفرحة
وبكل تعب الدنيا وعذابات السنين القيت بجسدى المثخن من الزحام فوق المقعد الوثير
لم اكن اعلم بأن الجلوس على مقاعد الترام يعطى كل هذه اللذه
لذه اجمل من لذة الجلوس على مقعد الرئاسة
فى تنزانيا طبعا
بدأت أنظر لهؤلاء المساكين الواقفين من حولى نظرات التشفى والأستعلاء التى كنت اراها فى اعين الجالسين من قبل
لكن الغريب أن احدا لم ينظر الى تلك النظرات النارية المليئة بالكراهية والحسد التى اعتدت ان انظر بها للجالسين
كان الجميع ينظر الى نظرات ملؤها الشفقة والحسرة مع بعض السخرية
اخذت اتعجب من نظراتهم حتى زال العجب وعرف السبب عندما شعرت بتلك الخنفرة الغريبة بجوارى
أعووووووووووووووذ بالله
ماهذا الذى جلست بجوارة
انه حمامة المجنون
اشهر رجل شارع ومختل عرفه تاريخ الأسكندرية منذ عهد الرومان
يانهار اسود
طب اعمل ايه دلوقتى ده قاعد يتهرش وينطر فى قمل وبراغيت من افتك الأنواع
هممت بأن اقوم من مكانى لكنى سمعت زمجرة بجوارى سمرتنى فى مكانى بينما زغر لى الواقفون بأعينهم قبل ان يميل على أحدهم ويقول
أوعى تقوم أو تتحرك من مكانك
لو قمت هيفكر انك قرفان منه وهيهيج وهيكسر الدنيا
أجبت: يعنى هيعمل ايه هيموتنى
ياريت يموتك لانته بس
آخر مرة موت الكان جنبه وخمستاشر نفر تانين ده غير العربية الى اتقلبت
قطع كلامه تلك المرأة العجوز التى ألقت بنفسها منكبة على يدى وهى تبكى :أبوس رجلك ماتقوم أنا عايز اروح لولادى سليمة
طب افرضوا اننا عزت انزل اعمل ايه
ولا تنزل ولا تطلع الا ماهو يجيله مزاجه ويقوم براحته
قبل كده هنروح كلنا فى داهية
###########
رجاء حار من السادة القراء حد يروح لأبويا ويقوله اننا احتمال اتأخر شوية يومين تلاته
لو وحشته هيلاقينى فى جراج الترام
آخر عربية
نايم بجوار حمامه


منقوووووووووووول

شكرااااااااااااا

وميرسى على مرورك