كان الجميع يعتقد ان الأب المسكين الذي أبلغ الشرطة باعتداء أحد عمال مخبزه على طفلته سوف تهدأ مشاعره، بعد أن أكد تقرير الطب العدلي ان الطفلة سليمة رغم ان المتهم أحيل الى المحكمة وقضت بحبسه ثلاث سنوات.. لكن الرجل الذي يمتلك المخبز في محلة الحيدرخانه كان قد أضمر في نفسه تخطيطاً مروعاً.. كان لديه ثلاث فتيات وولد.. ولم يعلم أحد بأن الرجل الذي كان جاهلاً لم يتعلم.. قد قرر بعد الحادث الذي تعرضت له طفلته الصغيرة أن يتخلص من بناته كلهن!
وهكذا في صباح أحد الأيام اصطحب الأب اثنتين من بناته في زيارة لأخته.. بعدها أتى بهن الى ضفة نهر دجلة القريبة من مرقد خضر الياس في الكرخ.. ثم فجأة ألقى بهن الى أعماق مياه النهر.. وسط ذهول المارة الذين تصادف وجودهم في المكان، غرقت طفلة، بينما تمكن رجل شجاع من انقاذ الطفلة الثانية! وأسرع ضابط خفر مركز الجعيفر الى مستشفى الكرامة التي نقلت اليه الطفلة الصغيرة، فوجدها على الفراش في ردهة الطوارئ بملابسها المبتلة والذهول يملأ عينيها.. لقد حاول والدها أن يقتلها، بل وقتل فعلاً أختها!.. وبدأت الطفلة تروي للضابط تفاصيل جريمة والدها:
قالت الطفلة: في صباح اليوم طلب والدي مني ومن أختي الصغيرة أن نذهب معاً لزيارة عمتي في الرحمانية، وبالفعل ذهبنا معه ونحن فرحتان وتناولنا طعام الغذاء في منزل عمتي، وفي طريق العودة توقفنا لنجلس على شاطئ نهر دجلة بالقرب من خضر الياس، وبينما نحن نمشي على ضفة النهر معه فجأة قذفنا والدي الى مياه النهر!
- الضابط: ماذا قال لكن والدكن في الطريق؟
- الطفلة: لا شيء.. لقد قال انه سيذهب بنا لزيارة عمتنا.
- الضابط: هل توعدكن بالضرب أو القتل؟
- الطفلة: أبداً..
- الضابط: هل شاهدكن أحد أثناء محاولة والدكن الالقاء بكن في النهر؟
- الطفلة: شاهدتنا امرأة وأخذت تصرخ وتبكي وتصيح بالناس لانقاذنا.
- الضابط: ألم تحاولي الهرب قبل أن يلقي بكن والدكن الى النهر؟
- الطفلة: لم أحاول لأني لم أكن أتخيل أن والدي سوف يغرقنا أو يحاول قتلنا، وفي الوقت نفسه لم تكن هناك فرصة لأنه قذف بنا الى المياه بسرعة!
- الضابط: هل القاكن الى المياه واحدة تلو الأخرى؟
- الطفلة: أبداً.. لقد دفع بنا جميعاً مرة واحدة!
- الضابط: كيف كانت حالتك بعد انقاذك من الغرق؟
- الطفلة: كنت أشعر بصداع وكأنني مازلت في المياه!
- الضابط: لماذا لم يتم انقاذ شقيقتك؟
- الطفلة: لا أعرف.. لقد غرقت في أعماق النهر ولم تظهر.. وقد نظرت اليها فلم أجدها!
وبعد أن دون الضابط أقوال الطفلة التي نجت من الموت باعجوبة، عاد الى المركز ليواصل التحقيق في القضية ويدوّن أقوال الشهود والأب المتهم بقتل ابنته الصغيرة والذي تم القبض عليه من قبل المارة.. والحقيقة انه لم يحاول الهرب بعد أن ارتكب جريمته البشعة.. وبدأ الضابط بسماع أقوال الشهود وكانت أولهم المرأة التي شاهدت الجريمة بعينيها. و هي ربة بيت عمرها (35) سنة..
- قالت الشاهدة: كنت أسير بجوار ضفة النهر عندما سمعت اصواتاً تصدر من المياه.. ثم اكتشفت انها صرخات أطفال.. دققت النظر فوجدت الطفلتين تصارعان الموج بينما والدهما يقف متسمراً على الجرف.. فصرخت ليهرع الناس على صراخي، وحضر شاب وقذف بنفسه الى النهر ليحاول انقاذ الصغيرات..
- الضابط: ألم تحاولي مساعدة الصغيرات وهن يغرقن؟
- الشاهدة: كل ما استطعت أن افعله هو أن أصرخ ليجتمع الناس حتى ينقذوا الطفلتين..
- الضابط: هل لديك أقوال أخرى؟
- ا لشاهدة: كلا سيدي!
ثم بدأ المحقق بالاستماع الى أقوال الشاب الشجاع الذي حاول انقاذ الطفلتين لكنه لم يتمكن الا من انقاذ واحدة فقط!
- قال الشاب: كنت أتنزه على شاطئ النهر عندما سمعت صراخ المرأة، وعندما هرعت اليها أخبرتني بأن الطفلتين ستغرقان في مياه النهر.. فخلعت ملابسي وقذفت بنفسي الى مياه النهر لأحاول أنقاذهن، وتمكنت من انقاذ واحدة وخرجت بها الى الجرف، وعندما عدت لانقاذ الثانية لم أجدها ويبدو ان الروج سحبها وغرقت بعد فترة!
الضابط: هل شاهدت الأب وهو يلقي بصغيراته الى النهر؟
- الشاب: كلا لم أشاهده.. لكني عرفت فيما بعد انه فعل ذلك.
الضابط: كيف كانت حالة الصغيرات داخل المياه؟
- الشاب: كن يغطسن الى الأعماق ثم يظهرن مرة أخرى.
- الضابط: وكيف كانت حالة الطفلة التي أنقذتها؟
- الشاب: لا أعرف.. لقد أنقذتها وخرجت بها الى الجرف.. ولم أحدثها لأنني عدت لمحاولة انقاذ شقيقتها.
- الضابط: وهل تعرف والدهن؟
- الشاب: كلا.. لا أعرفه.
- الضابط: كيف كانت حالته؟.. بعد أن ألقى بصغيراته الى النهر.
- الشاب: كان يصرخ ويبكي بلوعة.. ويهذي بكلام لم أفهمه!